أحب شربل بعيني عالم الأدب منذ نعومة أظفاره ،وكان على يقين صادق بأن للأدب رسالة نبيلة،خلاقة في غاياتها،ولكي يستطيع ان يقوم بتأدية هذه الرسالة الإنسانية على وجهها الصحيح والكامل، وجب عليه الكدح المستمر، والعمل المتواصل المقرون بصدق العزيمة، ونبل المبدأ. ومع ذلك فهو أشبه بنبع الماء الصافي الذي يتدفق من تلقاء ذاته. فلم يكن عالم الأدب في ارثه، ولكنه استذاق له تهيؤا واكتسابا. بدأ كتابة الشعر، مثل كل بدايات الشباب الأولى، وهذه الأشعار تواكب مرحلة المراهقة، وهي مشحونة بانفعال المراهق الذي كله أحلام وأماني. فقد اكتشف فجأة اسرار لعبة الكلمات المنغمة،فأخذ في تفريغ هذه المشاعر المتضاربة في نفسه من خلالها .كما بهرته الأصوات الأدبية التي سيطرت على الساحة في ذلك الوقت، فاستمر في ممارسة هذه اللعبة الجميلة، وعكف على تدبيج القصائد ، متوكئا على بعض الأشعار العربية آنذاك. وكان فرحا جدا في كتابة القصائد. كان فرحه مثل طفل اكتشف نشوة المشي للمرة الأولى. فكتابة الشعر عنده كانت للخلود، وليس الشعر الضائع العابث ، لأن الزبد يذهب جفاء ، أما ماينفع الناس ويكون محل استحسانهم يمكث في الأرض ويبقى.
فغدا الشعر صوته الذي لايهجره أبدا، وتمسك بهذه اللغة الشعرية التي هي أقرب اللغات الى نبض الطبيعة، انها لغة الماء في جريانه، ولغة القمر والنجوم في الفضاء اللامتناهي. فدخل الى عالم الحرف العجيب، هذا الحرف الذي سحره ولا يزال. كما سحرته اللغة الشعرية بما فيها من طاقة على الخلق لا نفاذ لها.
هذه اللغة التي لاتصل مباشرة الا من حيث وسائط أخرى ، صور داخل صور، اللغة التي لاتكشف اسرارها بسهولة. انها كالحب الذي لايستسلم في أول لقاء، انها الحب الصعب.ومع هذا وذاك فالصعب هذا غدا لذيذا جدا لديه.واستمر في ممارسة هذه اللعبة الجميلة حتى أخرج ديوانه الأول فسماه ((مراهقة)) الذي أيقظ فيه كل الأحلام، وأضاء قمر الحب في عينيه، وامتلأت جوانحه فرحا وزهوا بهذا الانجاز. فهذه الخطوة الأولى فتحت أمامه مساحات شاسعة مضيئة خضراء كحقول القمح في فصل الربيع. ورفرفت طيور الحظ على حقوله، عندما انتخى عمه الكبير المرحوم بطرس يوسف الخوري البعيني، ذا الأيادي البيضاء، والذي كان سابقا لعصره. لتشجيعه حملة الأقلام، ومن يتمسكون بعالم الأدب، فطبع ديوان شربل البكر ((مراهقة)) على نفقته الخاصة. وهذا كان دافعا قويا له في ان يمد ظله الأدبي على الوجود، يمده بغير حدود.
فأخذ يجتاز رحلة الحياة وليس معه من زاد سوى استعدادا ذاتيا، وتجربة يحاول ان يجعلها غنية، بمطالعة متنامية، فقد وجد في الأدب ضالته المنشودة وعلى الأخص الشعر، لأن في الأدب روح رائدة، والريادة تطلع الى البعيد، الى الأمام دائما. الى افق ارحب واكثر ضوءا وبهجة، وجمالا وإنسانية. كان يظن بأن وطنه بأمس الحاجة الى ما يعتمل بداخله من امكانيات. ولكن وجد بأنه هش وبسيط ، فقد لفظته تربة أرضه كما تلفظ التربة البركانية اية نبتة هزيلة .
فشد رحاله الى ارض الغربة، فغدا شتلة غرست في غير ارضها، وعبثا تعيد انغراسها في تربتها الأم. فقد اصبح غريبا مشردا ووحيدا بين ناس لا يعرفهم . فأخذ يشعر بأن ثعبان اليأس بدأ يتلوى ليخنق الأمل في قلبه، ولكن الطاقة الكبيرة التي يمتلكها، والتي كانت جذوتها اكثر توهجا حالت دون زحفه.
فكرس حياته للشعر الذي وجد فيه متاعه، وحقائب سفره، وبيته الآمن حين يكون شريدا. كما شعر بالحاجة الى تثقيف نفسه فأكب بصبر وثبات وبحيوية خارقة. فأخذ ينهل من الكتب لأن الكتاب هو مستودع المعرفة، والأداة المؤدية الى الثقافة، والى توصيل الخبرة الإنسانية في الزمان والمكان. فكان يلتمس مباهج الحياة في تضاعيف الكتب. ولا يغريه منها الا حديث اولي العقل الراجح، والفكر النير. فقد قدم أصحابها فكرهم وتجربتهم ورسالتهم. ليست بأية حال بمعزل عن الحياة الصاخبة من حولهم. فكان الكتاب له دفئا وأنسا وشعاعا. وكانت كتب الشعر كنزه الأثير. واستمر في كتابة القصائد الشعرية، لأنه لا يستطيع ترك الشعر، ولا يمتلك القوة في التخلص من أسر الكلمات. فغدا كالنحلة يحوم على أزهار الأدب الجميلة يمتص منها خير ما فيها لينتج في النهاية عسلا أدبيا طيبا فيه لذة ومتعة، وفيه دواء وشفاء. وأخذت دواوينه تظهر تباعا الواحد تلو الآخر. فجعل من دواوينه التي خطها قلمه الخصب مبدأ انسانيا خيرا. فغدت اداة الفة ومحبة وتعاون بين الناس.
ولا يزال حتى الآن مستمرا في كتابة القصائد. لأنه لا يستطيع ان يتخلص من أسر الكلمات، وسحر القصائد.
أمنية قلبي الكبرى ان اراه وهو يتوج بجائزة نوبل الأدبية.
**
فغدا الشعر صوته الذي لايهجره أبدا، وتمسك بهذه اللغة الشعرية التي هي أقرب اللغات الى نبض الطبيعة، انها لغة الماء في جريانه، ولغة القمر والنجوم في الفضاء اللامتناهي. فدخل الى عالم الحرف العجيب، هذا الحرف الذي سحره ولا يزال. كما سحرته اللغة الشعرية بما فيها من طاقة على الخلق لا نفاذ لها.
هذه اللغة التي لاتصل مباشرة الا من حيث وسائط أخرى ، صور داخل صور، اللغة التي لاتكشف اسرارها بسهولة. انها كالحب الذي لايستسلم في أول لقاء، انها الحب الصعب.ومع هذا وذاك فالصعب هذا غدا لذيذا جدا لديه.واستمر في ممارسة هذه اللعبة الجميلة حتى أخرج ديوانه الأول فسماه ((مراهقة)) الذي أيقظ فيه كل الأحلام، وأضاء قمر الحب في عينيه، وامتلأت جوانحه فرحا وزهوا بهذا الانجاز. فهذه الخطوة الأولى فتحت أمامه مساحات شاسعة مضيئة خضراء كحقول القمح في فصل الربيع. ورفرفت طيور الحظ على حقوله، عندما انتخى عمه الكبير المرحوم بطرس يوسف الخوري البعيني، ذا الأيادي البيضاء، والذي كان سابقا لعصره. لتشجيعه حملة الأقلام، ومن يتمسكون بعالم الأدب، فطبع ديوان شربل البكر ((مراهقة)) على نفقته الخاصة. وهذا كان دافعا قويا له في ان يمد ظله الأدبي على الوجود، يمده بغير حدود.
فأخذ يجتاز رحلة الحياة وليس معه من زاد سوى استعدادا ذاتيا، وتجربة يحاول ان يجعلها غنية، بمطالعة متنامية، فقد وجد في الأدب ضالته المنشودة وعلى الأخص الشعر، لأن في الأدب روح رائدة، والريادة تطلع الى البعيد، الى الأمام دائما. الى افق ارحب واكثر ضوءا وبهجة، وجمالا وإنسانية. كان يظن بأن وطنه بأمس الحاجة الى ما يعتمل بداخله من امكانيات. ولكن وجد بأنه هش وبسيط ، فقد لفظته تربة أرضه كما تلفظ التربة البركانية اية نبتة هزيلة .
فشد رحاله الى ارض الغربة، فغدا شتلة غرست في غير ارضها، وعبثا تعيد انغراسها في تربتها الأم. فقد اصبح غريبا مشردا ووحيدا بين ناس لا يعرفهم . فأخذ يشعر بأن ثعبان اليأس بدأ يتلوى ليخنق الأمل في قلبه، ولكن الطاقة الكبيرة التي يمتلكها، والتي كانت جذوتها اكثر توهجا حالت دون زحفه.
فكرس حياته للشعر الذي وجد فيه متاعه، وحقائب سفره، وبيته الآمن حين يكون شريدا. كما شعر بالحاجة الى تثقيف نفسه فأكب بصبر وثبات وبحيوية خارقة. فأخذ ينهل من الكتب لأن الكتاب هو مستودع المعرفة، والأداة المؤدية الى الثقافة، والى توصيل الخبرة الإنسانية في الزمان والمكان. فكان يلتمس مباهج الحياة في تضاعيف الكتب. ولا يغريه منها الا حديث اولي العقل الراجح، والفكر النير. فقد قدم أصحابها فكرهم وتجربتهم ورسالتهم. ليست بأية حال بمعزل عن الحياة الصاخبة من حولهم. فكان الكتاب له دفئا وأنسا وشعاعا. وكانت كتب الشعر كنزه الأثير. واستمر في كتابة القصائد الشعرية، لأنه لا يستطيع ترك الشعر، ولا يمتلك القوة في التخلص من أسر الكلمات. فغدا كالنحلة يحوم على أزهار الأدب الجميلة يمتص منها خير ما فيها لينتج في النهاية عسلا أدبيا طيبا فيه لذة ومتعة، وفيه دواء وشفاء. وأخذت دواوينه تظهر تباعا الواحد تلو الآخر. فجعل من دواوينه التي خطها قلمه الخصب مبدأ انسانيا خيرا. فغدت اداة الفة ومحبة وتعاون بين الناس.
ولا يزال حتى الآن مستمرا في كتابة القصائد. لأنه لا يستطيع ان يتخلص من أسر الكلمات، وسحر القصائد.
أمنية قلبي الكبرى ان اراه وهو يتوج بجائزة نوبل الأدبية.
**
